أيقظتنى أشعة الشمس الحنون ..فردت جسدى الضئيل
على العشب الندى ..أحتضنتنى الشمس الرء وم لتزيل عن
أوصالى الهشة صقيع الليل العنيد .يناوشنى ورفاقى كل ليلة
..عله يصيب أحدنا بمرض ما ..لك هيهات ؛ فساكنو
الشوارع أمثالنا لديهم حصانة ما ..لا نعرف تترف
المرض..لكن لدينا بالتأكيد شيئاًً من ترف الحياه..نستقطعه
من عابر سبيل ..نخطفه خطفاً من عربة فاكهة أونشمه
عند مطعم ثخين برائحة اللحم المشوى وإذا تعثر الحظ
وهو تعثر شبه دائم فالقمامة تجود بالكثير .
لكزتنى نزيهة شقيقتنا الكبرى.. زأرت فى وجهها قسوة
الطباع والرد الجاف وأحياناً تبادل الخمش والركل
والضرب هو سمة حياتنا ..لى ما يربو على عشرين شقيقاً
وشقيقة ..كنت أنا ابن العشر سنوات أصغرهم ..فى الغالب
لم أولد بينهم ولا أعرف التاريخ الذى وجدت بينهم .
توقعت أن تعاود نزيهه هجومها فتكورت بعيداً
أرتكن على إحدى أصص الزرع المنتشرة فى المشتل
النيلى حيث بتنا ليلتنا .
مازلت نزيهه تقف لكن شيئا فى ملامحها القاسية المتجهمة تبدل ..
كانت عيون ابنة الثامنة عشر دامعة
وأصابعها متشابكة وهى تمسح وجهها المتسخ فتزيده إتساخاً..
أدرت وجهى. فلم أجد أى من الرفاق..
ردت بأشارة تدل أنهم ذهبوا باكراً لالتقاط رزقهم
ثم جلست واضعة يديها على ركبيتها:
فيه مظاهرات .. بيضربوا بالنار ..الواد عيسوى خد طلقة
اتكوم..مفيش أمان ..حتى الشارع طمعانين فيه
نطقت بهشاشة:
مظاهرات .
ولم أكمل فقد بدأت بعض الحركة فى المشتل
وأمسكتنى نزيهة لنلوذ بالفرار ...
حينما انقطعت أوصالنا
كنا أمام شارع القصر القديم أو كما تسميه نزيهه بمجلس الشورى ..
نزيهه تجيد بعض القراءة ..فهى لم تولد مثلى بالشارع ...
كانت الرائحة بالشارع خانقة حارقة للحلق والعيون ..
دمعت عينى ..فهرعت نزيهه بجلبابها المتسخ
تمسح وجهى وهى تمتم :
الواد عيسوى مكلمش عشر سنين.
تكمل بعفوية : يلا ارتاح .
يخرجها من حديث عيسوى البائس وجه آخر " الونش "..
أحدالرفاق وقد قال صارخاً :
يلا يا ولاد المحلات مفتوحة فيه هبش كتير..
لكن الونش لم يكمل فقد أصابته رعشة ما
وثمة حناجر قوية تهتف
: أمن الدولة ظالم امن الدولة ظالم ظالم....أمن الدولة كافر ..كافر
غاص الجو برائحة جرذانية خانقة ...
وصارالطريق تحت وقع الأقدام الثقيلة والرصاص يدوى
وتصمت الحناجر القوية
وكانت آخر رؤية لى للبعض يتساقطون تباعاً
فوق جسد الونش الهامد على الإسفلت العارم بالدماء.
أيقظتنى دفقة قوية من الماء وضربة صارمة من يد مسعد
وأنا أقبع على حجر نزيهه
سألتها فى خفوت وهى تدس خبزاً يابسا فى فمى:
الونش
اجابت : حصل عيسوى ..
تكمل : إرتاحوا
لم أدرى كم مر من الأيام..لكن جوعنا كان شديدا
فالخروج صار صعباً
الشارع تم استعماره من الجميع ..
استبد بنا الضعف تحت إحدى الكبارى
ولم نلوذ بالفرار هذه المرة وذاك الرجل المهندم يقترب بأرغفة لحم شهية
انتزعناها من يده انتزاعاً بينما وقفت نزيهه مترفعة وهى
تقول فى شك :
الاكل مسموم
فهتفت بها زنوبة:
ولا هيحوق..مسموم مسموم
جلس الرجل مترقباً وهو يقول بصوت جهورى متحمس:
مصر محتاجكم يا أولاد . العيال العملاء الجواسيس اللى فى
ميدان التحرير خربوها..محدش هينضف الميدان غيركم !
واقترب يدس فى أيدينا ورقة مالية من فئة الخمسين جنيهاً
وهو يشرح لنا كيف نهجم بالعصى والسكاكين والزجاجات .
تعالت الهمهمات فقد صرنا ذا أهمية ؛ فالشارع ملكنا
وعلينا تنظيفه من الغوغاء كما أسماهم الرجل المهندم .
ولم افهم حينها موقف نزيهة العنيد وهى تدس المال فى
يد الرجل قائلة :
(اتكل يلا)
وقف مشمئزا منها وهى تضحك ضحكة صفراوية ساخرة
تمزقت والهرواة تضرب رأسها بيد بشاروى أحد
الرفاق فتتراخى هامدة على العشب الرطب
وشفتاها تمتم وهى ترنو إلى :
اوعى تروح معاهم يا وله ..العيسوى والونش ارتاحوا !
ارتاحت نزيهة ولم يبك عليها أحد
هوسنا نداء الواجب للقضاء على الخونة الذين احتلوا ميدان التحرير
..احتلوا الشارع ..والشارع ملكنا
انضممت لألوف من الصبية وشعرت بفخر لكثرتنا ..
كان الزحام شديدا والغبار شديدا والحجارة صاخبة
والهجوم على أشده
لطمنى أحدهم لطمة قوية أطاحت بلبى
لم أفق إلا على منضدة وقد ضمد أحدهم رأسى ..
نظف وجهى ويدى ,قال فى لهجة رقيقة:
اصحى يا بطل ..
كان طبيبا ..سألته فى خفوت أين أنا ؟
قال فى ميدان التحرير
سالنى عن اسمى قلت له اسمى "وله"
ضحك وقال لا يليق.. اسمك من الآن أحمد يا بطل ..
رددت كلمة بطل : هل طردنا الغوغاء
هتف : طبعا أنت فى قلب الثورة .. ميدان التحرير
ارتعش جسدى وهو يكمل اسمى أيضأ أحمد
وردد : أنت أحمد الصغير وأنا أحمد الكبير.
مكثت بجانب أحمد الكبير طوال اليوم مترقباً متحفزاً من اكتشاف أمرى ..
كان يقسم طعامه وشرابه معى
يربت على ظهرى إذا غص حلقى ...
رفاقه الكثيرون يمرون وسط هتافهم :
مبروك يا دكتور أحمد ربنا عوضك بإبن
ينير وجهه الوضاء مبتسماً.
يدخل بى أحد الجوامع القريبة
توضأ وهو يشير على أن أغتسل بالكامل
احضر لى ملابس وحذاء
ومشط لى شعرى الأشعث
أعطانى مرآة لأنظر
وهو يقول:
مااسم هذا الرجل الصغير
فـقول : أحمد الصغير
أفرد لى فى المساء بجانبه مكانا
و كنت خائفاً أن يكتشف حقيقتى
وأفقد الملابس والحذاء وملمس الماء
حينما أحس بتململى ربت على كتفى وقال:
أنت اليوم معنا وسوف تتغير حياتك للأفضل..
نمت أنعم بالدفء ووجهه نزيهة الرقيق النظيف وهى ترفرف برداء وردى يغمر أحلامى.
فى الفجر أيقظنى أحمد الكبير للصلاة بعد الوضوء
وبعدها جلسنا وسط الرفاق وهم يعدون لافتات اليوم :
مش هنمشى هو يمشى
ارحل يعنى أمشى
الشعب يريد إسقاط النظام
الشعب يريد محاكمة النظام
بينما وقف سامر - وهو أخو أحمد - ملوحاً ضاحكا بسرج من
معركة الخيول والجمال يهتف :
غنائم موقعة الجحش
ضحك احمد الكبير طويلا إلا أن ابتسامته توقفت
والجرح الدامى يغطى كتفه ثم يسكن الجسد للأبد
فى الظهيرة كنت أجلس القرفصاء أمام بقعة الدم التى تركها ورحل
وأتساءل عن بقعة نزيهه : أتراها مازالت دافئة
ربت سامر على كتفى وقد زاده الحزن سنوات وسنوات :
يلا يا أحمد يلا يا بنى أكمل المسيرة
وقفت صارخأً :
مش هنمشى ...هو يمشى ..مش هنمشى ...هو يمشى !!
مازلت فى ميدان التحرير ..اسمى أحمد..ولدت هنا من
جديد..سترانى إذا أتيت مع من أتى للزيارة
أساعد سامر فى المستشفى الميدانى ..
أعلق على صدرى :
مش هنمشى ..هو يمشى ..ارحل يعنى امشى
ld]hk hgjpvdv 4 'tg lk hgahvu hgjpvdv
مدونتى لاعمالى المتناثرة عبر الشبكة العنكوبيتيه, الهمتنى ثورة يناير الاسم, وهل هناك اجمل منه بنت مصر الحرة
الثلاثاء، 19 أبريل 2011
lمن قصص ميدان التحرير طفل من الشارع
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق