الجمعة، 22 أبريل 2011

قصص من ميدان التحرير زوجة وام


مساء آخر كئيب يحل على مدينتى الهادئة , أسمع حثيث

خطواتك الخافتة , تصعد فى هدوء الخائف ثم تتوقف عندها,
من تخدع يا عامر؟!..اعلم أنك لديها...أكاد أشعر تغير الهواء حولى
حينما تختلط به أنفاسك , انظر للمرآة الموشاة بسواد السنين,
أنزع الشعرة البيضاء العنيدة.
تذكرنى أنه مر عام لم أخرج من قوقعتى بكلمة ما ..
تخليت عن مشرط الجراح
فكيف لطبيبة رأت ابنها الشاب صريعاً أن تمسكه


مدائن الألم تقلصت على ثدى المعطوب , هذا الثدى المعطوب
كان أول من يؤنس قبره..
تصعد السلم فى تؤدة المتأمر
أفتح الباب
تقف وهى خلفك كالظلال..
تدخلان دون وعى منى...
تقتحمان خلوتى الأثيرة...
أشد يدى على صدرى الخاوى ...
يأتينى صوتك سحيقاً مرتجفاً :
هى خائفة .. تعلمين أن زوجها مسافر
وتلك المظاهرات اللعينة والبلطجية .
وأقاطعك بإيماءة متفهمة..
تغترفان من صمتى جرأة
وتنسجان من حزنى هراء ..
تقبران وجودى ..
تحبسان عنى هواء الغرفة
تدس لها سيجارة بين شفتيها القاستين المصبوغتين سواداً
وتمسك هى بمخالب يدها صورة ابنى وتقول:
له نفس عينيك اللوزتين يا عامر
وتغمز فى خفة إلى صدرى الخاوى
ثم تلقى الصورة بإهمال ..
تنفجر حمم الغضب بداخلى
تدوس أخضركما ويابسكما
تماما كما انفجرت منذ عام وانت تهذى :
ابنك المدمن وجدوه ملقى فى الطريق الصحراوى إثر حقنة هيروين.
يومها لطمت وجهك
وضعت بينى وبينك سدوداً من غبار تحول عني رؤية مساحات الخوف بداخلك
وقد هشمت قامتك
أحنت ظهرك
أعطبت عقلك وأنستك هذا الابن الطيب الحنون
الذى اختفى إثر قيادته مظاهرة فى الجامعة.



حينما أنهى هجومى العارم عليكما ..تؤلمنى نظرة الإرتياع
فى عينيك ويبهجنى أثر أظافرى على وجهها وفرارها منى.
أستعيد خلوتى الآثيرة ...تلوذ بحجرتك لعل الجدران الفاصلة
تحول بين ماضينا وحاضرنا ..أفتح النافذة أتنفس هواء أوائل
فبراير العذب بينما صوت ابنى الحنون يهمس من بعيد:
"مش هنطاطى مش هنطاطى .. احنا كرهنا الصوت الواطى"
أحس به يدس وجهه الفتى فى صدرى الخاوى فأشعر بالامتلاء ..
تسقط خيوط الشمس الحنون على جفونى.. فأعلم
أن روحاً أخرى تطير شعاعاً معها .
يحتوينى صوت سامر أخى عبر الهاتف
وأعرف أن على الدرب شهيدا جديدا


******ُ




فى الظهيرة جلست فى الميدان أمام بقعة الدم الدافئة
أرسم حولها دوائر بينما الطفل ذو العينان اللوزيتان يساعد سامر فى
المسشتفى الميدانى ثم يعطينى بعض الماء بينما يهمس سامر :
اسمه احمد .
فانظر له بتساؤل..وهو يقول:
أخبرنى أحمد شقيقنا الكبيرقبل استشهاده أنه سيتكفله .
أحتضن الصغير وأغمغم : سافعل أنا .
يربت سامر على كتفى:
إذن لديك منافسان ؛ فهذا المصرى الأمريكى الذى يبيع الجرائد
وهناك أم فقدت ابنها أيضا وووووو
أقاطعه والطفل فى أحضانى:
سافعل أنا
ساكمل ما بدأه أخى وإبنى ..سأقبع فى الميدان.
رأيت ابنى مراراً بين الثوار.. فى أعين الثوار.. فى صوت الثوار..
فى خطوات الثوار .
أصبح فى يدى المرتجفة قوة .
تعود الطبيبة من جديد .يعود ابنى من جديد
كأحلام الشتاء الدافئة تأتينى يا عامر, كظل رمادى انسلخ من
واقعه الكئيب .تسمرت عيناك بإسفلت الميدان..
يهمس صوتك :
سامحينى فلا أجيبك سوى بهامة مرفوعة :"
بل اسأله أن يسامحك ..من أطعمته يوما هذا الصدر الخاوى .
حينما يجاوبنى الصمت مذهولاً أجد فى عينيك مدنا خربة
وقلاعا مهدومة وسفناً بلا مرسى تتطاير أشرعتها كشعرك
الليلى يهزها الهتاف من حولى:
ارحل ارحل
تتناثر غباراً فضياً فى مسائى الحزين وحينما تطالع عيناى
رقمك على الجوال ويدى منهمكة فى إعادة ضمادة أحمد
الصغير أغالب جبال الحنين فتقهرنى ويأتى صوتك الحالم
كذاك الصباح البعيد حينما ينتابنى الغثيان وعيناك تغمز بفرح
على بطنى المتكور...يضم صوتك ماضينا وحاضرنا فى
حماسة لاهبة:
لقد اقتحمنا مقر أمن الدولة... لن أهدأ حتى أظفر بقاتل ابنى
لكنك تظفربسرداب كئيب يعصر روحك
وحجرة مقبورة نقش على جدرانها بالدماء خط تعرفه وأعرفه:
أمن الدولة ظالم ظالم... أمن الدولة كافر كافر

مدائن الألم تقلصت على قلبك الذهبى
أيها الحبيب فخمد النبض الحنون...
أعرف أنك قريب منى أيها العملاق
فرائحة الهواء تحمل أنفاسك الياسمينية
وحثيث خطاك الهادرة يهز الأغصان فتصرخ:
الشعب يريد حل أمن الدولة !!
 

ليست هناك تعليقات: