مغارة الشيوخ
"شى الله يا ِسيدى َحمد, شى الله يا ِسيدى َحمد"
وقفت المرأة النحيلة, بقامتها القصيرة, يلفها دخان البخور الثقيل فى مغارة الشيوخ, حيث مدافن الأولياء الصالحين ,وهى تحمل طفلتها الضئيلة الناعسة فى وهن على صدرها الجاف كالرمال ..وهى تمسح بيد مكدودة الرخام الرمادي للقبر البارد القديم, تغزوه فى فتور بقايا أشعة شمس متسربة من فتحات المغارة الحجرية المظلمة , لا يحرك الصمت فى جدرانها سوى إنحناءة المرأة المتوسلة على القبر , تنحنى عليه مررا تقبله تارة وتربت عليه تارة أخرى .. وهى تستجدى هشيم الحطام الساكن فيه منذ زمن بعيد ..وتفلت من عينيها دمعة حارقة بللت كلماتها , ثم سالت على شفاها الزرقاء تردد:-
لاتخذلي يا شيخ, الطفلة ستلحق بأخوتها فى غياهب العدم يا شيخ , ساعدني يا شيخ
ويرد الصدى صوتها وهى فى بؤس ,دفعها لدخول مغارة الشيوخ فى قلب الجبل الخامد, تستدعى بركة كبيرهم "سيدى حمد"
ثم وضعت الطفلة على القبر لعلها تنال شيئا من بركة الفانين ,فلاطفتها وضحكت.. حينئذ قال لها العجوز حارس المقبرة الذى كان يرقب المشهد المتكرر وهو يقول :-
دعوتك مقبولة يا أبتنى, وهذه البشارة وهو يشير للثغر الباسم للطفلة فاحتضنتها المرأة فى حنان وهى
تفور فرحا يمطر من نافذة اليأس المزدانة بتيجان الفقر,فرحا دفعها رغم حاجتها إلى أن تدس جنيها فى يد الرجل الذى نظر إليه فى اهتمام ثم حكه فى جلبابه الثقيل المترب بينما تطوف عينيه على زائرة اخرى دخلت من باب المغارة الضيق الصخري ,إمراة وصبية مليحة ,فاقترب منهما, تطوف عيناه على الصغيرة الحلوة وقد جاءت يلاحقها حلم الأنوثة الوردي وامها تقول:-
ممسوسة هي – لا يطلب يدها احد, كل رفيقاتها تزوجن ..فيقترب من الصغيرة الخائفة ويقرصها من خصرها , قرصة شهقت لها ولونت وجهها الجميل, ..وقد إنعكس جسدها على نهر الوجود بداخله, يموج كل مساء , ممتلئ بنيران الرغبة التي تشتعل فى مجامر الروح وهو يشير صامتا لقبر كبير الاولياء ,يراقب الأم وهى تمسح جسد الصغيرة بالوعود والامنيات ..وهو يمسح جسد الصغيرة بالأحلام ,ينتظر وعده يتحقق فى حلم احمر عاصف ,يدفئ لياليه الباردة , وقد لبث يتلصص على جسد الفتاة الحلوة المنحنية بعيون ضيقة وقد شغل نفسه بازاحة غبار القبر المنسى فى اخر المغارة متذكراً اللص الذى حاول ان يسلبه مال المغارة ..وقد دفنه هنا فى ليلة باردة ,منهكاً فى ذكرياته.. وهو يشعل لفافة تبغه تترائ له المواسم والفصول ترحل محملة بالأطايب بينما هو يفترش أرض المغارة ,عشرات الليالى مرت عليه وهو يلبث فى مكانه يحدث اصحاب القبور المهجورة المجهولة لايؤنسه غير الجرذان الجبلية المذعورة تنتظره فى وله عله يلحق بموتى القبور ويهديها ليلة مترفة بالطعام,يقف كحارس فرعونى يعبث فى عالم بلا مرؤة تتخبط فيه امواج الجهل وزبد الانكسار على حواف شطآن لا تمل من الأنتظار للأمل والبركات .
يهمس بترانيم وثنية محملة بالشرور , وقد لف وجهه ضباب الدخان المنبعث من فمه وهويستند على حافة قبر اللص القتيل يمد ذراعيه كجناحى غراب وقد أقتربت منه اقتربت منه المراتين .. يسألنه فى شك قبر من هذا ؟
وقد نال اهتمامها تلك العشبة الضئيلة المتسللة حوله , فزفر زفرة عميقة مرقت فى هواء قديم لتوقظ وسن السنين المنصرمة ولم يجب وقد أغمض عينيه طويلاً...غمزت المرأة الأولى فى خبث
أه .. شيخ "سره باتع" وقد اخفاه عنا .. بينما وقفت الأخرى ترقب الحارس فى أهتمام وهو يفتح العينان البراقتين فجأة ثم حك اذنه وقرص حلمتها فى مكر وهو يقول هو سيد الشيوخ لامراء..ولا يذكر اسمه الا عشر جنيهات كاملة ...فتخرج كل واحدة بلا تفكير ما تبقى فى كيسها ..وتجمعا ستة جنيهات وتقولا فى رجاء :-
لانملك غيرها.. فيمد يده لهما فى تعاطف وهو يكمل العشر جنيهات ليبوح لهمها باسم الشيخ شديد البركة وهو يطوح راسه فى الهواء كدائرة ابدية ويصرخ صراخ الولهين المتعففين:-
"شى الله" يا سيدى المرزوقى ...
"شى الله يا ِسيدى َحمد, شى الله يا ِسيدى َحمد"
وقفت المرأة النحيلة, بقامتها القصيرة, يلفها دخان البخور الثقيل فى مغارة الشيوخ, حيث مدافن الأولياء الصالحين ,وهى تحمل طفلتها الضئيلة الناعسة فى وهن على صدرها الجاف كالرمال ..وهى تمسح بيد مكدودة الرخام الرمادي للقبر البارد القديم, تغزوه فى فتور بقايا أشعة شمس متسربة من فتحات المغارة الحجرية المظلمة , لا يحرك الصمت فى جدرانها سوى إنحناءة المرأة المتوسلة على القبر , تنحنى عليه مررا تقبله تارة وتربت عليه تارة أخرى .. وهى تستجدى هشيم الحطام الساكن فيه منذ زمن بعيد ..وتفلت من عينيها دمعة حارقة بللت كلماتها , ثم سالت على شفاها الزرقاء تردد:-
لاتخذلي يا شيخ, الطفلة ستلحق بأخوتها فى غياهب العدم يا شيخ , ساعدني يا شيخ
ويرد الصدى صوتها وهى فى بؤس ,دفعها لدخول مغارة الشيوخ فى قلب الجبل الخامد, تستدعى بركة كبيرهم "سيدى حمد"
ثم وضعت الطفلة على القبر لعلها تنال شيئا من بركة الفانين ,فلاطفتها وضحكت.. حينئذ قال لها العجوز حارس المقبرة الذى كان يرقب المشهد المتكرر وهو يقول :-
دعوتك مقبولة يا أبتنى, وهذه البشارة وهو يشير للثغر الباسم للطفلة فاحتضنتها المرأة فى حنان وهى
تفور فرحا يمطر من نافذة اليأس المزدانة بتيجان الفقر,فرحا دفعها رغم حاجتها إلى أن تدس جنيها فى يد الرجل الذى نظر إليه فى اهتمام ثم حكه فى جلبابه الثقيل المترب بينما تطوف عينيه على زائرة اخرى دخلت من باب المغارة الضيق الصخري ,إمراة وصبية مليحة ,فاقترب منهما, تطوف عيناه على الصغيرة الحلوة وقد جاءت يلاحقها حلم الأنوثة الوردي وامها تقول:-
ممسوسة هي – لا يطلب يدها احد, كل رفيقاتها تزوجن ..فيقترب من الصغيرة الخائفة ويقرصها من خصرها , قرصة شهقت لها ولونت وجهها الجميل, ..وقد إنعكس جسدها على نهر الوجود بداخله, يموج كل مساء , ممتلئ بنيران الرغبة التي تشتعل فى مجامر الروح وهو يشير صامتا لقبر كبير الاولياء ,يراقب الأم وهى تمسح جسد الصغيرة بالوعود والامنيات ..وهو يمسح جسد الصغيرة بالأحلام ,ينتظر وعده يتحقق فى حلم احمر عاصف ,يدفئ لياليه الباردة , وقد لبث يتلصص على جسد الفتاة الحلوة المنحنية بعيون ضيقة وقد شغل نفسه بازاحة غبار القبر المنسى فى اخر المغارة متذكراً اللص الذى حاول ان يسلبه مال المغارة ..وقد دفنه هنا فى ليلة باردة ,منهكاً فى ذكرياته.. وهو يشعل لفافة تبغه تترائ له المواسم والفصول ترحل محملة بالأطايب بينما هو يفترش أرض المغارة ,عشرات الليالى مرت عليه وهو يلبث فى مكانه يحدث اصحاب القبور المهجورة المجهولة لايؤنسه غير الجرذان الجبلية المذعورة تنتظره فى وله عله يلحق بموتى القبور ويهديها ليلة مترفة بالطعام,يقف كحارس فرعونى يعبث فى عالم بلا مرؤة تتخبط فيه امواج الجهل وزبد الانكسار على حواف شطآن لا تمل من الأنتظار للأمل والبركات .
يهمس بترانيم وثنية محملة بالشرور , وقد لف وجهه ضباب الدخان المنبعث من فمه وهويستند على حافة قبر اللص القتيل يمد ذراعيه كجناحى غراب وقد أقتربت منه اقتربت منه المراتين .. يسألنه فى شك قبر من هذا ؟
وقد نال اهتمامها تلك العشبة الضئيلة المتسللة حوله , فزفر زفرة عميقة مرقت فى هواء قديم لتوقظ وسن السنين المنصرمة ولم يجب وقد أغمض عينيه طويلاً...غمزت المرأة الأولى فى خبث
أه .. شيخ "سره باتع" وقد اخفاه عنا .. بينما وقفت الأخرى ترقب الحارس فى أهتمام وهو يفتح العينان البراقتين فجأة ثم حك اذنه وقرص حلمتها فى مكر وهو يقول هو سيد الشيوخ لامراء..ولا يذكر اسمه الا عشر جنيهات كاملة ...فتخرج كل واحدة بلا تفكير ما تبقى فى كيسها ..وتجمعا ستة جنيهات وتقولا فى رجاء :-
لانملك غيرها.. فيمد يده لهما فى تعاطف وهو يكمل العشر جنيهات ليبوح لهمها باسم الشيخ شديد البركة وهو يطوح راسه فى الهواء كدائرة ابدية ويصرخ صراخ الولهين المتعففين:-
"شى الله" يا سيدى المرزوقى ...
"شى الله" يا سيدى المرزوقى
بقلم روان عبد الكريم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق